يبدو أن الاهتمام العلمي بتناول القهوة وفوائد ذلك الصحية في تطور مستمر، إذْ بعد أن كنا قبل سنوات نشهد الحديث عن تحذيرات من الآثار السلبية لشرب القهوة دونما أدلة علمية واضحة وداعمة لتلك المقولات، بدأنا ومنذ سنوات قليلة مضت، نشهد سيلاً متواصلاً من الأدلة العلمية على فوائد تناولها الصحية على أجزاء وأعضاء شتى من الجسم، خاصة في ما يتعلق بالتحذيرات الخاصة بالقلب والكبد والأمعاء.
ومن أواخر ما تم نشره في أعداد المجلات العلمية لشهر أغسطس (آب) الحالي، حديث الباحثين من إيطاليا عن نتائج دراستهم في جنوبي أوروبا حول دور تناول القهوة في خفض احتمالات الإصابة بسرطان الكبد لدى الناس العاديين، ولدى مرضى التهابات الكبد المزمنة. وهو ما كان حديث الباحثين من اليابان في يناير (كانون الثاني) الماضي. وتجدد كلام اليابانيين في هذا الشهر أيضاً عن جدوى تناول القهوة في خفض معدلات الإصابات بسرطان الأمعاء الغليظة، خاصة بين النساء. والنسب التي يذكرها باحثو إيطاليا وباحثو اليابان، هي من العيار الثقيل الذي يتراوح ما بين 40 إلى 50%!.
* الإيطاليون والقهوة والكبد وقال الباحثون من إيطاليا إن الناس الذين يستمتعون بشرب أقداح القهوة العبقة بالنكهة العالية هو أقل بنسبة 41% في احتمالات الإصابة بسرطان الكبد، وذلك بالمقارنة مع أولئك الناس الذين لا ينغمسون في الاستمتاع بها، على حد وصفهم.
وقال الباحثون في دراستهم، المنشورة بعدد أغسطس (آب) من مجلة "علم طب الكبد" الصادرة في الولايات المتحدة، إن التأثيرات الإيجابية لتناول القهوة تم التوصل إليها سابقاً في دراسات تمت بجنوبي أوروبا، حيث يتم استهلاك القهوة بشكل عال، وفي اليابان، حيث يقل تناول القهوة، على من هم مُصابون بالتهابات الكبد المزمنة.
والمعلوم أن حالة التهاب الكبد المزمن، خاصة تلك الناجمة عن الإصابة بفيروسات التهاب الكبد الوبائي من نوعي سي وبي، ترفع من خطورة احتمالات الإصابة بنشوء سرطان في خلايا أنسجة الكبد.
والمعلوم أنه في دولة كالولايات المتحدة، التي تُعتبر فيها الإصابات السنوية بسرطان الكبد متوسطة من ناحية العدد مقارنة بدول أخرى، تنتشر فيها بشكل أعلى أمراض الكبد الفيروسية المزمنة وأمراض القنوات المرارية المزمنة، يتم اكتشاف أكثر من 17500 حالة سرطان كبد وقنوات المرارة سنوياً. وفق ما تؤكده نشرات المجمع الأميركي للسرطان.
وكان الباحثون الإيطاليون، وفق ما نشروه في عدد أغسطس (آب) الحالي من مجلة "علم أمراض الكبد"، قد راجعوا وحللوا نتائج عشر دراسات تمت حول سرطان الكبد، التي تضمنت معلومات عن استهلاك كميات من القهوة بالذات وعلاقته بهذا النوع من الأورام. ووجدوا أن بين مجموعات من يتناولون القهوة على وجه العموم، كذلك تنخفض نسبة الإصابات بسرطان الكبد إلى حد 41% مقارنة بمن لا يتناولون القهوة.
وأشار الباحثون الإيطاليون إلى أن الدراسات السابقة التي تم إجراؤها على الحيوانات وعلى البشر، قد تحدثت عن دور مركبات كيميائية معينة في القهوة تعمل على منع عمل مجموعة من الأنزيمات المتسببة بعمليات كيميائية تسممية تبعث عادة على نشوء الخلايا السرطانية. كما ذكروا بأنها تحدثت أيضاً عن الدور الإيجابي للكافيين في خفض ارتفاع أنزيمات الكبد. وأضافوا بأن تناول القهوة مرتبط بخفض نسبة الإصابات بأمراض الكبد وتليف وتشمع الكبد. وهي حالات تسبق في كثير من الأحيان نشوء حالات سرطان الكبد.
وما يُؤخذ على الدراسة ليس إثبات علاقة تناول القهوة بخفض نسبة الإصابة بسرطان الكبد، بل عدم تحديد ما هي كمية القهوة التي يعمل تناولها على خفض الإصابات بهذا النوع من السرطان. وهل ثمة فرق بين تناول كوبين أو أكثر مثلاً بتناول أقل من كوب واحد. وذلك لتأكيد زيادة التأثير بارتفاع الكمية المتناولة منها، وإلى أي حد يُمكن ملاحظة ذلك.
وعلى الرغم من اعتراض أحد الباحثين الطبيين على أن من المبكر اعتبار القهوة أحد مضادات الإصابة بسرطان الكبد، إلا أن مبرر ذلك الاعتراض غير منطقي بالمفهوم الطبي، حيث إنه مبني على أن الباحثين الإيطاليين لم يُعطوا تعليلاً للآلية التي بها تحمي القهوة من الإصابة بالسرطان. وهذا ما يرى بموجبه أن النتيجة التي خلص الباحثون إليها قد تكون نتيجة خلل إحصائي في استخلاص نتائج من تحليل معلومات الدراسة، وليست حقيقية ملاحظة علمية. والحقيقة أن الشكوك هذه التي أبداها الدكتور ألفرد نيوغت، من أحد مستشفيات نيويورك، والواردة ضمن تقارير وكالات الأنباء عن خبر الدراسة الإيطالية، موضوع العرض، لا محل لها في إنكار ملاحظة علمية متكررة حول دور تناول القهوة في خفض الإصابات بسرطان الكبد كشيء مجرد من دون الدخول في تفاصيل أعمق، لأن ليس من المطلوب من الباحثين معرفة وتقديم الآلية في التأثير لعموم الوسط الطبي قبل تقديم نتائج ملاحظتهم العلمية حول وجود خفض حقيقي لتناول أو استخدام علاج أو دواء ما في الإصابة بأحد الأمراض. والأمثلة والشواهد على هذا كثيرة جداً. بل تبدأ الحقائق العلمية بالظهور بشكل متدرج في مراحل المعرفة. وفي مراحلها المتأخرة غالباً يتم التوصل إلى الآلية التي يتم من خلالها التأثير.
ولا يبدو حتى اليوم أن ثمة من يقول صراحة إن من النصيحة الطبية، الحث على تناول القهوة للوقاية من سرطان الكبد. بل غاية ما يُقال هو أن ثمة ملاحظات علمية تشير إلى جدوى تأثير تناول القهوة، كمنتج نباتي طبيعي، في ذلك الشأن الصحي. وهو بخلاف القول السابق والشائع باحتمالات مضارها.
* اليابانيون والقهوة وبالإضافة إلى هذا، فإن الباحثين اليابانيين من المركز القومي الياباني للسرطان، قد ذكروا في يناير (كانون الثاني) الماضي، نتائج دراستهم التي شملت حوالي 96 ألف شخص من البالغين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 40 إلى 69 سنة، الذين تمت متابعتهم لمدة تزيد على عشر سنوات. وقد تبين من خلالها أن من يتناولون القهوة تنخفض بينهم الإصابات بسرطان الكبد بنسبة 50% مقارنة بمن لا يتناولونها. وهي نتائج تم نشرها في عدد يناير (كانون الثاني) من مجلة المؤسسة القومية الأميركية للسرطان.