على كثرة الاسئلة المحيرة التي استطاع القرن العشرون الاجابة عليها وبرغم ان هذا القرن صاحب الابتكار التاريخي الاول في ارتياد الفضاء وحل الكثير من اسرار وغوامض الكون ومع كل المنجزات العلمية الضخمة في مجال الطب والفلك والتقنيات التي تحققت خلال المئة سنة الماضية، وبالذات الخمسين سنة الاخيرة منها، الا ان قضية اسمها "مثلث برمودا" تصدرت العناوين جميعها واثارت حولها ضجة لم تهدأ طوال عدة قرون، واذا شئنا الدقة لم يرد لها ان تهدأ، وكأنها تسعى الى احراج العلماء والتشكيك بالحقائق العلمية في محاولة تفسير الظواهر الكونية تفسيرا غيبيا مغلفا بثوب علمي!!
لقد قاد هذه الضجة بصورة خاصة نفر من المشتغلين في الظاهرة الباراسايكولوجية من الذين ارادوا تعزيز هذه الظاهرة وابراز قوتها على حساب التجني على العلم، والتقليل من شأنه في تفسير اية قضية يتلكأ زمنا في حل الغازها، وواقع الامر فقد تجنى هذا النفر على الباراسايكولوجي واساء اليه بدلا من ان يسعى الى التقريب بينه وبين العلوم التطبيقية. ولم يتردد- اعني هذا النفر- عن التعامل مع الاساطير القديمة والنظر اليها على انها اصبحت من حقائق الحاضر، وكانت تعابير على غرار (القوى الخفية) او (سلطان الباراسايكولوجي) جاهزة لتفسير اية ظاهرة كونية مطروحة على بساط البحث والتفسير العلميين وتنتظر زمنا معقولا لازاحة النقاب عنها، وهكذا طرح مثلث برمودا مرة والصحون الطائرة مرة اخرى شهية العاملين خارج دائرة العلم وتفتق خيالهم الخصب عن قوى وكائنات وممالك اخرى أكثر تطوراً تقع في منطقة بعيدة عن مملكتنا الارضية عجزنا عن التعرف عليها لان قدراتنا العقلية اقل مستوى منها ونسجوا حول ذلك قصصا ملفقة احيانا ومحورة احيانا وغير دقيقة في رواية رواتها اغلب الاحيان، ولابد من الاعتراف بان الثوب العلمي الرقيق الذي كان يخفي تحته اطنانا من التقولات والمزاعم والافتراءات قد جذب اليه كثيرا من العقول البريئة، وكثيرا من العقول التي تميل الى التعاطي مع الروحانيات على حساب الماديات من غير موازنة دقيقة او محاولة للتوفيق العقلاني بينهما، وايا كان الامر فليس بمقدور الذين حاولوا حرف الحقائق العلمية او المتاجرة بنقائصها ان يستمروا الى الابد حتى وان نجحوا الى حين، فما هي حكاية او ضجة برمودا؟ في عام 1945 كانت خمس طائرات قاذفة امريكية تنطلق في مسارها في جو مثالي، ولكنها فجأة خرجت عن المسار لتختفي الى الابد ولم يعثر وقتها على اي اثر للطائرات ولا لطاقمها. وقد جاء في تقرير البعثة الرسمية التي كلفت بالبحث عن الطائرات المفقودة عن عدم وجود اي سبب معقول يمكن ان يعطي تفسيرا لما حصل ومنذ ذلك الحين بدأت ظاهرة جديدة وغريبة تعرف باسم، مثلث برمودا، تستقطب اهتمام العالم باجمعه.
لقد جاء في الوثائق الرسمية منذ عام 1914 ذكر لفقدان ما يقرب من الفي شخص وهم على متن طائرات وسفن في هذا المثلث، وفي كل عام تحدث حالات تختفي فيها مراكب من دون ان تترك اي اثر او حتى تسمع منها نداءات الاستغاثة، كان اختفاء بعضها في اثناء ظروف جوية جيدة.
لقد جرت دراسة مشكلة مثلث برمودا من قبل اطراف عدة سواء اكانوا هواة متحمسين او علماء مجدين وقد زار كثير منهم المنطقة لتعاظم غموض مثلث برمودا، وقد اكتشف العلماء من بين ما اكتشفوا وجود دوامة شبيهة بالاعصار الحلزوني الجبار يصل قطرها الى مئتي كيلومتر في بحر ساركاسو..
الجاذبية في قفص الاتهام
بعد سنوات كثيرة في بحوث مشاكل الجاذبية قدم الباحث العالم غينرك تالالافسكي نظرية مفادها ان التعجيل الانتقالي والدوراني يمتلك طبيعة مختلفة، فالجسم الدوار، وفق حساباته، يصبح اكثر خفة ولكنه عند تحقيقه لسرعة حرجة يستطيع ان يكتسب وزنا سالبا. ويعود تاريخ التجارب الى عدة عقود مضت، فمع بداية عام 1975 قام علماء الفيزياء البريطانيون بتعجيل جيروسكوب (اداة تستخدم للمحافظة على توازن الطائرة او الباخرة ولتحديد الاتجاه) الى سرعة عالية جدا مقللين بذلك وزنه بنسبة عشرة بالمئة دون ان يقدموا تفسيرا نظريا لهذه الحقيقة. وقد جرت تجارب مماثلة في معهد البحوث في موسكو حيث وصل فقدان الوزن هناك الى نسبة 14% وقد استطاع تالالافسكي من خلال نظريته. ان يفسر طبيعة الرياح الدوامية القادرة على رفع اناس وحيوانات وحتى منازل بأكملها ونقلهم الى مسافات بعيدة، يقول تالالافسكي موضحا (فلنأخذ الحالة التي مازالت بلا تفسير والتي اوردتها الصحيفة السويسرية فيلت فوخ بعناوين بارزة عام 1975، ففي بداية السبعينات من القرن الماضي اختفت احدى طائرات المسافرين التابعة لشركة الخطوط الجوية الوطنية من على شاشات الرادار قبل عشرين دقيقة من موعد هبوطها في احدى مطارات الولايات المتحدة في ميامي، وبعد مضي عشر دقائق ظهرت الطائرة من جديد وهبطت في المطار بأمان، ولم يكن الطاقم قد لاحظ اي شيء غريب في مسار الطيران ماعدا اكتشافهم لتأخر جميع الساعات الموجودة في لوحة القيادة بمقدار عشر دقائق. وحسب نظرية انشتاين الخاصة في النسبية فان مثل هذا الاختلاف في الوقت لا يمكن ان يحدث الا في حالة طيران الطائرة بسرعة قريبة من سرعة الضوء. وهذا شيء كان من الصعب ان يتحقق لمثل تلك الطائرة.
ونحن، اليوم، اذا ما استبعدنا عن متناول ايدينا جميع ما يناقض افكارنا عن العالم فاننا بذلك نكون قد فعلنا شيئا محزنا لذا فان قبول هذه الظاهرة كشيء حقيقي سيجعلنا على الاقل نحاول ان نجد تفسيرا منطقيا لها.
وفيما يخص اختفاء الطائرات الامريكية يستشهد تالالافسكي بنظريته التي تتناول توازنات الجاذبية والتي تقول بان الجسم الدوار يتضاءل ككل في الوزن. ولكن في ذات الوقت وفي مركز دورانه يزداد وزنه وتكون الزيادة اكثر كلما كانت الكتلة الابتدائية للمادة الدوارة اكبر.. وهذا ما يحدث بالضبط في برمودا. فهناك وفي مركز رياح المحيط الدوامة الرئيسة تحدث حالات شاذة للجاذبية، واذا ما وقعت سفينة في مركز الدوران فان قوى جذبية هائلة تسحبها الى الاعماق.. ويحدث الشيء نفسه للطائرات كما حدث للطائرات الامريكية الخمس عام 1945 يضاف الى ذلك قيام التيارات القوية العميقة بتكملة المأساة عن طريق حمل الحطام مسافات بعيدة عن مكان الحادث قد تصل الى مئات الكيلومترات.
الفيزياء والحالات الشاذة
والآن فلنعد الى الاذهان طائرة الركاب التابعة الى شركة الخطوط الجوية السويسرية. فالطائرة على الرغم من كل شيء، اكملت رحلتها بأمان، فكيف يمكن تفسير هذه الحالة؟ يقول تالالافسكي.. ان تفسير هذه الحالة منطقي ايضا. فكل ما نعرفه عن الامر شيء واحد وهو ان الساعات تأخرت عشر دقائق وحسب نظريتنا فانه في مثل هذه الحالة التي دفعت بالساعات لان تقصر عشر دقائق التي يتميز بها عامل تقوس الفضاء لابد ان تكون كتلة طيران الطائرة قد تضاعفت تقديريا. وكما نرى فان مثل هذه الزيادة هي ضمن نطاق الامان للطائرة، ولكن لو ان مسارها كان اكثر قربا من مركز الدوران فان الجاذبية الزائدة ستؤدي الى كارثة، هذه الحالة الشاذة تفسر ايضا اختفاء الطائرة عن شاشات الرادار وفي الفضاء المنحني من الجائز ان تكون الاشارة قد انحرفت ولم ترجع الى جهاز الاستقبال.
امر مهم ان ندرك بان مثلث برمودا لا يحتكر هذه الاعاجيب فهناك منطقة تقع بين هونغ كونغ والفلبين وتايوان